كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن عائشة أنها قالت لعبدها ذكوان: إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت فأنت حر، وأما الفاسق والمبعض والمشترك والمكاتب فكالأجنبي بل قيل: إن المراد بالآية الإماء وعبدًا وأمة كالأجنبي وبه قال ابن المسيب آخرًا، وقال: لا تغرنكم آية النور فإن المراد بها الإماء {أو التابعين} أي: الذين يتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم {غير أولي الإربة} أي: أصحاب الحاجة إلى النساء {من الرجال} أي: ليس لهم همة إلى ذلك ولا حاجة لهم في النساء لأنهم بله لا يعرفون شيئًا من أمرهن، وقيل: هم شيوخ صلحاء إذا كانوا معهن غضوا أبصارهم، وقيل: هم الممسوحون سواء كان حرًا أم لا وهو ذاهب الذكر والأنثيين، أما ذاهب الذكر فقط أو الأنثيين فقط فكالفحل، وعن أبي حنيفة لا يحل إمساك الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم. قال الزمخشري: فإن قلت: روي: أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خصي فقبله قلت: لا يقبل فيما تعم به البلوى إلا حديث مكشوف وإن صح فلعله قبله ليعتقه أو لسبب من الأسباب، انتهى. وعندنا يجوز جميع ذلك إذ لا مانع منه، وقيل: المراد بأولي الإربة هو المخنث، وقرأ ابن عامر وشعبة بنصب الراء على الاستثناء والحال، والباقون بكسرها على الوصفية، وقوله تعالى: {أو الطفل} بمعنى الأطفال وضع الواحد موضع الجمع لأنه يفيد الجنس ويبينه ما بعده، وهو قوله تعالى: {الذين لم يظهروا} أي: لم يطلعوا {على عورات النساء} للجماع فيجوز لهن أن يبدين لهم ما عدا ما بين السرة والركبة؛ قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى: إذا لم يبلغ الطفل حدًا يحكي ما يراه فكالعدم أو بلغه من غير شهوة فكالمحرم، أو بشهوة فكالبالغ {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} وذلك أن المرأة كانت تضرب برجلها الأرض ليقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال، وقيل: كانت تضرب بإحدى رجليها على الأخرى ليعلم أنها ذات خلخالين فنهين عن ذلك لأن ذلك يورث ميلًا في الرجال، وإذا وقع النهي عن إظهار صوت الحلي فمواضع الحلي أبلغ في النهي وأوامر الله ونواهيه في كل باب لا يكاد العبد الضعيف يقدر على مراعاتها، وإن ضبط نفسه واجتهد ولا يخلو من تقصير يقع منه فلذلك قال تعالى: {وتوبوا إلى الله} أي: الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات {جميعًا أيها المؤمنون} أي: مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره.
وشروط التوبة أن يقلع الشخص عن الذنب ويندم على ما مضى منه ويعزم على ألا يعود إليه ويرد الحقوق لأهلها، وقرأ ابن عامر في الوصل: أيها المؤمنون بضم الهاء لأنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها والباقون بفتحها، وأما الوقف فوقف أبو عمرو والكسائي بالألف بعد الهاء، ووقف الباقون على الهاء ساكنة {لعلكم تفلحون} أي: تنجون من ذلك بقبول التوبة منه، وفي الآية تغليب الذكور على الإناث، وعن ابن عباس توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة.
فإن قيل: على هذا قد صحت التوبة بالإسلام لأنه يجب ما قبله فما معنى هذه التوبة؟
أجيب: بأن بعض العلماء قال: إن من أذنب ذنبًا ثم تاب لزمه كلما ذكره أن يجدد التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه على عدم العودة إلى أن يلقى الله تعالى، والذي عليه الأكثر أنه لا يلزمه تجديدها.
وعن أبي بردة أنه سمع الأغر يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى ربي كل يوم مائة مرة»، وعن ابن عمر قال: إنا كنا لنعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة»، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم يسقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة».
ولما نهى عما سيفضي إلى السفاح المخل بالنسب المقتضي للألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة المؤدية إلى بقاء النوع بعد الزجر عنه مبالغة فيه عقبه بالحكم الثامن وهو الأمر بالنكاح المذكور في قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} جمع أيم والأيامى واليتامى أصلهما أيايم ويتايم فقلبا، والأيم هي من ليس لها زوج بكرًا كانت أو ثيبًا، ومن ليس له امرأة فيشمل ذلك الذكر والأنثى قال الشاعر:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي ** وإن كنت أفتى منكم أتأيم

أي: أقرب إلى الشباب منك وأتأيم بالرفع على قلة جواب إن تتأيمي، وما بينهما جملة معترضة، والمعنى أوافقك في حالتي التزوج والتأيم، وإن كنت أقرب إلى الشباب منك، وعنه صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنا نعوذ بك من العيمة والغيمة، والأيمة والقزم والقرم» العيمة: شهوة اللبن، والغيمة: العطش، والأيمة: شهوة النكاح مع الخلو من الزوجية، والقزم: البخل، والقرم: شهوة اللحم، وهذا في الأحرار والحرائر، وأما غيرهم فهو قوله تعالى: {والصالحين} أي: المؤمنين{من عبادكم} وهو من جموع عبد، {وإمائكم} والخطاب للأولياء والسادة، وهذا الأمر أمر ندب، فيستحب لمن تاقت نفسه للنكاح ووجد أهبته أن يتزوج ومن لم يجد أهبته استحب له أن يكسر شهوته بالصوم لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أي: قاطع لشهوته لأن الوجاء بكسر الواو نوع من الخصاء وهو أن ترض عروق الأنثيين وتترك الخصيتان كما هما، فشبه الصوم في قطعه شهوة النكاح بالوجاء الذي يقطع النسل، والباءة بالمد مؤن النكاح، وهي المهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه.
فإن لم تنكسر شهوته بالصوم فلا يكسرها بالكافور ونحوه بل يتزوج، ويكره لغير التائق إن فقد الأهبة أو وجدها وكان به علة كهرم فإن وجدها ولا علة به وهو غير تائق فالتخلي للعبادة أفضل من النكاح إن كان متعبدًا فإن لم يتعبد فالنكاح أفضل من تركه لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحب فطرتي فليستن بسنتي» وهي النكاح، وعنه صلى الله عليه وسلم: «من كان له مال يتزوج به فلم يتزوج فليس منا»، وعنه صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج أحدكم عج شيطانه يا ويلاه عصم ابن آدم مني ثلثي دينه» والأحاديث في ذلك كثيرة، وربما كان واجب الترك إذا أدى إلى معصية أو مفسدة، وعنه صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال»، وفي رواية: «يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلا بالمعصية، فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة»، ويندب النكاح للمرأة التائقة وفي معناها المحتاجة إلى النفقة، والخائفة من اقتحام الفجرة، ويستحب أن تكون المنكوحة بكرًا إلا لعذر لقوله صلى الله عليه وسلم: «هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك»، ولودًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»، وفي رواية: «يا عياض لا تتزوج عجوزًا ولا عاقرًا، فإني مكاثر دينة» لما روى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة».
وقيل: المراد بالصالحين الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه، وقوله تعالى: {إن يكونوا} أي: الأحرار {فقراء يغنهم الله} أي: بالتزويج {من فضله} ردّ لما عساه أن يمنع من النكاح والمعنى لا يمنعهن فقر الخاطب والمخطوبة من المناكحة، فإن في فضل الله غنية عن المال فإنه غادٍ ورائح، أو وعد من الله تعالى بالغنى لقوله صلى الله عليه وسلم: «اطلبوا الغنى في هذه الآية».
لكن ينبغي أن تكون شريطة الله تعالى غير منسية في هذا الوعد ونظائره، وهي مشيئته ولا يشاء الحكيم إلا ما اقتضته الحكمة، ونحوه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق، وقد جاءت الشريطة منصوصة في قوله تعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم} التوبة، ومن لم ينس هذه الشريطة لم ينتصب معترضًا بعزب كان غنيًا فأفقره النكاح.
وبفاسق تاب واتقى الله وكان له شيء ففني وأصبح مسكينًا، وورد: «التمسوا الرزق بالنكاح»، وشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل الحاجة فقال: «عليك بالباءة» أي: النكاح، وعن عمر رضي الله عنه: عجبت لمن يبتغي الغنى بغير النكاح، والله تعالى يقول: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} وحكي عنه أنه قال: عجبت لمن لم يطلب الغنى بالباءة، وقال طلحة بن مطرف: تزوجوا فإنه أوسع لكم في رزقكم وأوسع في أخلاقكم ويزيد الله في ثروتكم؛ قال الزمخشري: ولقد كان عندنا رجل رازح الحال ثم رأيته بعد سنين وقد انتعشت حاله وحسنت، فسألته فقال: كنت في أول أمري على ما علمت وذلك قبل أن أرزق ولدًا، فلما رزقت بكر ولدي تراخيت عن الفقر فلما ولد لي الثاني ازددت خيرًا فلما تتاموا ثلاثة صبَّ الله علي الخير، فأصبحت إلى ما ترى، انتهى. {والله} أي: الذي له الملك كله {واسع} أي: ذو سعة لخلقه لا تنفد نعمه إذ لا تنتهي قدرته {عليم} بهم يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. ولما ذكر تعالى تزويج الحرائر والإماء ذكر حال من يعجز عن ذلك بقوله: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا} أي: وليجهد في طلب العفة عن الزنا والحرام الذين لا يجدون ما ينكحون به من مهر ونفقة يوم التمكين وكسوة فصله، وقيل: لا يجدون ما ينكحون {حتى يغنيهم الله} أي: يوسع عليهم {من فضله} فينكحون، ولما ذكر تعالى نكاح الصالحين من العبيد والإماء حث على كتابتهم بالحكم التاسع وهو الأمر بالكتابة المذكور في قوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب} أي: يطلبون الكاتبة {مما ملكت أيمانكم} أي: من العبيد والإماء {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} أي: أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة.
وسبب نزول هذه الآية ما روي أن غلامًا لحويطب بن عبد العزى يقال له: الصبيح، سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فأنزل الله هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين فأداها، وقتل يوم حنين في الحرب وأركانها أربعة رقيق وصيغة وعوض وسيد وشرط في السيد كونه مختارًا أهل تبرع وولاء وكتابة المريض مرض الموت محسوبة من الثلث، فإن خلف مثلي قيمته صحت الكتابة في كله أو مثل قيمته صحت في ثلثيه أو لم يخلف غيره صحت في ثلثه، وشرط في الرقيق اختيار وعدم صبا وجنون وأن لا يتعلق به حق آدمي لازم، وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالكتابة كأن يقول السيد لمملوكه: كاتبتك على ألفين في شهرين كل شهر ألف، فإذا أديتهما فأنت حر، فيقول العبد: قبلت ذلك، فلا يصح عقدها إلا مؤجلًا منجمًا بنجمين فأكثر، كما جرى عليه الصحابة فمن بعدهم، فلابد من بيان قدرالعوض وصفته وعدد النجوم وقسط كل نجم فلا تجوز عند الشافعي رضي الله تعالى عنه بنجم واحد ولا بحال لأن العبد لا يملك شيئًا فعقدها بحال يمنع من حصول الغرض لأنه لا يقدر على أداء البدل عاجلًا، وعند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه تجوز حالًا ومؤجلًا ومنجمًا وغير منجم؛ لأن الله تعالى لم يذكر التنجيم، وقياسًا على سائر العقود وهي سنة لا واجبة، وإن طلبها الرقيق لئلا يتعطل أثر الملك وتتحكم المماليك على الملاك بطلب رقيق أمين قوي على الكسب وبهما فسر الشافعي الخير في الآية واعتبرت الأمانة لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق، والطلب والقدرة على الكسب ليوثق بتحصيل النجوم.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث حق على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله»، فإن فقدت هذه الشروط أو بعضها فهي مباحة إذ لا يقوى رجاء العتق بها ولا تكره بحال لأنها عند فقد ما ذكر فقد تفضي إلى العتق، نعم إن كان الرقيق فاسقًا بسرقة أو نحوها، وعلم سيده أنه لو كاتبه مع العجز عن الكسب اكتسب بطريق الفسق لم يبعد تحريمها حينئذٍ لتضمنها التمكين من الفساد، وتصح على عوض قليل وكثير، ويجب أن يحط عنه قبل عتقه شيئًا متمولًا من النجوم، أو يدفعه إليه من جنسها أو من غيرها، كما قال تعالى: {وآتوهم} أمر للسادة {من مال الله الذي آتاكم} ما يستعينون به في أداء ما التزموه لكم أيها السادة، وفي معنى الإيتاء حط شيء متمول مما التزموه بل الحط أولى من الدفع؛ لأن القصد بالحط الإعانة على العتق وهي محققة فيه موهومة في الدفع إذ قد يصرف المدفوع في جهة أخرى، وكون ذلك في النجم الأخير أولى منه فيما قبله لأنه أقرب إلى العتق.
يروى أن عمر رضي الله تعالى عنه كاتب عبدًا له يكنى أبا أمية وهو أول عبد كوتب في الإسلام فأتاه بأول نجم فدفعه إليه عمر وقال: استعن به على كتابتك، فقال: لو أخرته إلى آخر نجم، فقال: أخاف أن لا أدرك ذلك وكونه ربعًا من النجوم أولى، فإن لم تسمح به نفسه فكونه سبعًا أولى، روى حط الربع النسائي وغيره، وحط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وعند أبي حنيفة أمر للمسلمين على جهة الوجوب بإعانتهم للمكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله لهم من بيت المال كقوله: {وفي الرقاب} ولما بين تعالى ما يصح من تزويج العبيد والإماء أتبع ذلك بالحكم العاشر وهو الإكراه على الزنا المذكور في قوله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم} أي: إماءكم {على البغاء} أي: الزنا.